يشهد العالم خلال الأعوام الأخيرة أعاصير كارثية في مختلف المناطق ولم يكن من الغريب ان تتعرض منطقة جنوب الخليج العربي لإعصار «جونو» في ظل ما هو معروف عن تكون الأعاصير في المناطق الاستوائية حيث تكون هناك مياه دافئة (لا تقل حرارتها عن 27 درجة مئوية) وهواء رطب ورياح استوائية متقاربة..وتبدأ معظم الأعاصير كعواصف رعدية تنتقل فوق المياه الدافئة الاستوائية لمياه البحار.
وتصل العواصف الرعدية إلى وضع الإعصار على مراحل متعددة، أولا منخفض استوائي وسحب دائرية وأمطار مع سرعة رياح تقل عن 38 ميلاً في الساعة، وتبلغ سرعة رياح العاصفة الاستوائية من 39 إلى 73 ميلاً في الساعة، أما الإعصار فتكون سرعته أكثر من 74 ميلاً في الساعة وقد يستغرق الأمر من ساعات إلى عدة أيام لكي تتطور العاصفة الرعدية إلى إعصار.
وأفاد أحد المتخصصين أن الأعاصير أصبحت أكثر تدميرا على مدى الثلاثين عاما الماضية.. ووجد المتخصصون أن كلا من مدة الأعاصير المدارية وسرعة الرياح التي تثيرها زاد بنسبة 50 % مع ارتفاع متوسط درجة حرارة سطح المحيطات المدارية.
وقال خبير في الأعاصير إن ارتفاع حرارة الأرض في المستقبل قد يؤدي إلى اتجاه تصاعدي في القوة التدميرية للأعاصير المدارية والى زيادة كبيرة في الخسائر المرتبطة بالأعاصير إذا أخذنا في الحسبان زيادة عدد سكان المناطق الساحلية.
أجزاء الإعصار
وعند تكون الإعصار يتطور عبر ثلاثة أجزاء، الأول: هو العين وهي مركز الدوران وبه ضغط منخفض وهادئ .. والثاني: هو جدار العين وتضم المنطقة حول العين وبها أسرع وأعنف رياح .. والجزء الثالث: هو موجات المطر وهي موجات من العواصف الرعدية التي تدور نحو الاتجاه الخارجي للعين وهي جزء من دورة التبخر والتكثيف، التي تغذي العاصفة. وتتباين الأعاصير في أحجامها فنجد أن بعضها ذات حيز ضيق، وتخلف وراءها القليل من الأمطار والرياح.. والبعض الآخر أكبر وأوسع وتنتشر رياحه وأمطاره لمئات أو آلاف الأميال.
عمر الإعصار
وقد يصل عمر الإعصار إلى 10 أيام، وهناك أعاصير تبقى فترة أطول من ذلك، وغالبا ما تجول الأعاصير منطقة كبيرة أثناء فترة حياتها. ويؤثر الإعصار على منطقة ما، ليوم أو يومين فقط. وقد لا تصل معظم الأعاصير إلى الحد الأقصى من قوتها قبل أن تصل إلى مرحلة التلاشي والزوال سواء بتناقص قوتها على سطح الأرض أو في المحيطات الباردة.
عقارب الساعة
تدور الأعاصير في نصف الكرة الشمالي في عكس اتجاه عقارب الساعة وتدور في نصفها الجنوبي مع عقارب الساعة وتنشأ بين خطى عرض5 و20 شمال وجنوب خط الاستواء حيث تصل درجة حرارة سطح الماء في بحار ومحيطات تلك المناطق إلى 27 درجة مئوية في المتوسط.
والأعاصير عواصف هوائية دوارة حلزونية عنيفة تنشأ عادة فوق البحار الاستوائية خاصة في فصلى الصيف والخريف ولذا تعرف باسم الأعاصير الاستوائية أو المدارية أو الأعاصير الحلزونية لأن الهواء البارد ذي الضغط المرتفع يدور فيها حول مركز ساكن من الهواء الدافئ ذا الضغط المنخفض ثم تندفع هذه العاصفة في اتجاه اليابسة فتفقد من سرعاتها بالاحتكاك مع سطح الأرض ولكنها تظل تتحرك بسرعات تزيد على 72 ميلا في الساعة وقد تصل إلى أكثر من 180 ميلاً في الساعة أي إلى أكثر من300 كيلومتر في الساعة تقريبا ويصل قطر الدوامة الواحدة الي500 كيلومتر وقطر عينها الي40 كيلومترا وقد تستمر لعدة أيام إلى أسبوعين متتاليين.
ويتحرك الإعصار في خطوط مستقيمة أو منحنية فيسبب دمارا هائلا على اليابسة بسبب سرعته الكبيرة الخاطفة ومصاحبته بالأمطار الغزيرة والفيضانات والسيول بالإضافة إلى ظاهرتي البرق والرعد كما قد يتسبب الإعصار في ارتفاع أمواج البحر إلى حد إغراق أعداد من السفن فيه.
منخفضات استوائية
وتتحرك الأعاصير عادة من منخفضات استوائية دافئة بسرعات أقل من 39 ميلاً بالساعة ثم تزداد سرعاتها بالتدريج حتى تتعدى 72 ميلاً بالساعة فتصل إلى أكثر من 180 ميلاً بالساعة وعند هذا الحد فإنها تسمى باسم الأعاصير العملاقة ومثل هذه الأعاصير العملاقة تضرب شواطئ كل من أميركا الشمالية والجنوبية وإفريقيا الجنوبية وخليج البنغال وبحر الصين وجزر الفلبين واندونيسيا والملايو في حدود ثمانين مرة في السنة وتجمع تحت مسمى الأعاصير الاستوائية.
أما الأعاصير الحلزونية فيهب منها سنويا بصفة عامة بين 30 و150 إعصارا فوق البحار الدافئة ويصل طول الواحد منها إلى 1500 كيلومتراً وتقدر قوته التدميرية بقوة قنبلة نووية متوسطة الحجم.
من ذلك يتضح أن تسخين ماء البحار والمحيطات يلعب دوراً أساسياً في تكوين كل من الأعاصير والمعصرات ولكن تسخين الماء وحده لا يكفى لو لم يصرف الله الرياح مواتية لإتمام تلك العملية ومن هنا كان الاستنتاج المنطقي أن العواصف الرعدية وما يصاحبها من سحب غنية ببخار الماء وقطيراته المعصرات كغيرها من ظواهر الكون.
ظاهرة النينو
ومن هنا أيضا كانت الدورات المناخية التي تكون كلا من ظاهرة النينو التي تدفئ ماء المحيط الهادي من العوامل التي تلعب دورا مهما في عملية تكون الأعاصير وظاهرة النينو هى ظاهرة مناخية تجتاح بحار ومحيطات نصف الأرض الجنوبي بطريقة دورية وعلى فترات متتابعة مدة كل منها ثمانية عشر شهرا تهيمن خلالها هذه الظاهرة على المحيطين الهادي والهندي فتبدأ بتسخين الطبقة العليا من ماء هذين المحيطين خاصة إلى الغرب من شواطئ أمريكا الجنوبية مما يؤدي إلى سيادة الجفاف في بعض المناطق وتكون دوامات هوائية وأعاصير مدمرة في مناطق أخرى مثل حوض الأمازون واستراليا والجزر الاندونيسية والماليزية وغيرها.
ظاهرة لانينا
أما ظاهرة لانينا فإنها تحدث أثرا معاكسا حيث يتكون فيها نطاق من الهواء الساكن بين حزامين من كتل الهواء النشطة مما يعين على تشكل الأعاصير المصاحبة بالعواصف الرعدية الممطرة. وباستمرار زيادة معدلات التلوث في بيئة الأرض ترتفع درجة حرارة الطبقة الدنيا من غلافها الغازي وبارتفاعها تزداد فرص تكون الأعاصير البرقية والرعدية الممطرة زيادة كبيرة في العدد وفى الشدة والعنف مما يتهدد أكثر مناطق الأرض عمرانا بالدمار الشامل من مثل كل من أمريكا الشمالية والجنوبية واستراليا وجزر المحيطين الهادي والهندي.
قلق الناس
عندما يصيب الناس القلق من تأثيرات احترار الكرة الأرضية فإن أكثر ما يقلقهم هو الأعاصير وتوضح الدراسات أن الناس يقلقون من حدوث الأعاصير أكثر من قلقهم من الفيضانات الساحلية.
غير أن العلماء يقولون بأن الناس يعكسون الأشياء في تقديراتهم فليس من شك في أن البحار سوف ترتفع عندما تحتر الكرة الأرضية مما يزيد من مخاطر الفيضانات وذلك ببساطة لأن المياه الأكثر سخونة تحتل مساحة أكبر فإذا ذابت ثلوج جرينلاند وانتارتيكا فإن الارتفاع في مستوى مياه البحار سيكون كبيرا.
وبالمثل فإنه يبدو منطقيا أنه عندما تحتر الكرة الأرضية فإن الأعاصير تصير أكثر حدوثا وأكبر قوة.. فبعد كل هذا تأخذ قوتها من مياه المحيطات الدافئة. لكن وبينما يتمسك العديد من العلماء بهذا الرأي إلا أنه ليس هناك إجماع كبير عليه وذلك جزئيا بسبب الاكتشافات الجديدة حول عوامل أخرى والتي قد تعمل ضد حدوث العواصف القوية المتكررة فالبروف ريتشارد آنثيز رئيس المؤسسة الجامعية للدراسات المناخية يشكك بصحة هذا الرأي.
وفي تصريح يحمل صفة الإجماع صدر العام الماضي قالت منظمة الأرصاد الجوية أنه من المرجح أن تكون هناك زيادة في سرعة رياح الأعاصير عندما يكون العالم أكثر سخونة لكن المنظمة التابعة للأمم المتحدة قد لاحظت أن نشاطات الأعاصير القوية والحقيقة وعلى مدى عقود من الزمان لم ترتبط بأي تغير في المناخ حسب السجلات الخاصة بالأعاصير غير أن خبراء المناخ يقولون أن فترة من النشاط العالي للأعاصير قد بدأت عام 1995.
ومع تحسن فنيات القياس بدرجة كبرى في العقود الأخيرة فإن العلماء يبدأون في الأول من يونيو من كل عام وفي عدد من الجبهات حملة لمعرفة كيف تتكون الأعاصير وكيف تتحرك وما هي العوامل التي تحد من أو تزيد من تأثيراتها الضارة وكيف يمكن التنبؤ بدقة أكبر بموعد ومكان ضربتها القادمة.
ولعل أشهر المتمسكين بفكرة الارتباط ما بين زيادة درجات الحرارة والأعاصير هو كيري إيمانويل عالم المناخ بمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا وقد نشر نتائج بحوثه القائلة بان القوة الإجمالية المنطلقة من أعاصير المحيط الأطلسي وغرب المحيط الهادي قد زادت بمقدار النصف في العقود الأخيرة وذلك عام 2005 في مجلة الطبيعة وقد صارت أفكاره من الافكار التي حظيت بأكبر قدر من النقاش في هذا المجال.
ولم يكن إيمانويل وحيدا في ذلك ففي العام الماضي حلل باحثون بقيادة كارولوس هويوس من معهد جورجيا للتكنولوجيا ترددات العواصف من المجموعة (4) و(5) وهي أقوى العواصف وتوصلوا إلى أن زيادة ترددها منذ عام 1970 يرتبط مباشرة بدرجة حرارة سطح البحر التي شهدت ارتفاعا وقد نشرت نتائج ابحاثهم في المجلة العملية الامريكية.
تحدى علماء آخرون فكرة أن العالم الأكثر حرارة يعني المزيد من العواصف القوية فالباحثون في الإدارة القومية الامريكية لعلوم البحار والمناخ وفي جامعة ميامي قد ظلوا يدرسون كيفية قيام الرياح الرأسية بالتأثير على اتجاهات الأعاصير وكيف تمنع سرعات الريح على مرتفعات مختلفة تكون الأعاصير.
وقد توصلوا إلى نتائج تقول بأن مقصات الهواء في المحيط الأطلسي سوف تزداد بقدر يمكن ان يلغي تأثير الإعصار بالمياه الأكثر سخونة. لكن حتى هؤلاء الباحثين فقد وصفوا البحث بأنه سؤال مفتوح وأن الأمر لم يتم التوصل فيه لنتائج قاطعة.