يعد "التوحد" Autism أحد الاضطرابات النمائية المعقدة التي تصيب الأطفال وتعيق تواصلهم الاجتماعي واللفظي وغير اللفظي كما تعيق نشاطهم التخيلي وتفاعلاتهم الاجتماعية المتبادلة ويظهر هذا الاضطراب خلال الثلاث السنوات الأولى من عمر الطفل وتكون أعراضه واضحة تماماً في الثلاثين شهراً من عمر الطفل الذي يبدأ في تطوير سلوكيات شاذة وأنماط متكررة والانطواء على الذات ، ويتميز التوحد بالغموض وبغرابة أنماط السلوك المصاحبة له، وبتداخل بعض مظاهره السلوكية مع بعض أعراض إعاقات واضطرابات أخرى ؛ فضلا عن أن هذا الاضطراب يحتاج إلى إشراف ومتابعة مستمرة من الوالدين.
وتعود كلمة "التوحد" إلى أصل إغريقي هي كلمة " أوتوس" Autos وتعني الذات، وتعبر في مجملها عن حال من الاضطراب ألنمائي الذي يصيب الأطفال. كما تم التعرف على هذا المفهوم قديما في مجتمعات مختلفة مثل روسيا و الهند، في أوقات مختلفة ولكن بداية تشخيصه الدقيق إن صح هذا التعبير لم تتم إلا على يد" ليو كانر" Leo Kanner, 1943 حيث يعد أول من أشار إلى " التوحد" كاضطراب يحدث في الطفولة وأطلق عليه لفظ Autism وقصد به التقوقع على الذات.
كما يعتبر تشخيص التوحد من المشكلات الصعبة التي تواجه الباحثين و المهتمين به في ميدان التربية الخاصة . وقد يعود ذلك إلى أمرين:
الأول: أن التوحد ليس اضطرابا واحدا وإنما يبدو في عدة أشكال ، مما حدا بالبعض إلى تسميته طيف التوحد كما سبقت الإشارة عند تعريف "التوحد"
الثاني: أن مفهوم " التوحد" قد يتداخل مع مفاهيم أخرى ؛ كفصام الطفولة، والتخلف العقلي، واضطرابات التواصل ، وتمركز الطفل حول ذاته، واضطرابات الحواس وغير ذلك من مفاهيم.
كما أن تشخيص " التوحد" كاضطراب نمائي ، يبدأ بالتعرف على أعراض الاضطراب حسب كل حالة على انفراد . وأن هذه الأعراض هي:
1-اضطراب عملية الكلام، أو عدم الكلام مطلقا: فالطفل الذي يعاني من التوحد قد لا يتكلم، وإذا تكلم فإن كلامه يكون غريبا وغير مفهوم أحيانا، ولا يقلد الآخرين في كلامه كما يفعل الأطفال الأسوياء.
2-الابتعاد عن إقامة علاقات اجتماعية مع الآخرين ، وعدم الرغبة في مصاحبتهم، أو تلقي الحب و العطف منهم حتى لو كان هذا الحب وذلك العطف من الوالدين، وخاصة الأم، كما يظل الطفل التوحدي ساكنا لا يطلب من أحد الاهتمام به، وإذا ابتسم فإنه يبتسم للأشياء دون الناس ، ويرفض الملاطفة والمداعبة ، ويعمل على تجنبهما.
3-ظهور الطفل ألتوحدي بمظهر الحزين، دون أن يعي ذلك.
4-إظهار الطفل ألتوحدي للسلوك النمطي الذي يتصف بالتكرار، وخاصة في اللعب ببعض الأدوات ، أو تحريك الجسم بشكل معين، وبدون توقف، وبدون الشعور بالملل أو الإعياء.
5-اضطراب النمو العقلي للطفل ألتوحدي في بعض المجالات ، وظهور تفوق ملحوظ لديه أحيانا في مجالات أخرى. كما يبدو لدى بعض الأطفال التوحيديين في بعض الأحيان أنهم يملكون مهارات ميكانيكية عالية، مثل معرفة طرق الإنارة، وتشغيل الأقفال، وإجادة عمليات فك الأجهزة و تركيبها بسرعة و مهارة.
6-كثرة الحركة، أو الميل للجمود، وعدم الحركة، و العزلة عمن حوله حسيا وحركيا.
7-عدم الإحساس الظاهر بالألم، وعدم تقدير الطفل ألتوحدي للمخاطر التي قد يتعرض لها، بالرغم مما قد يلحق به من أذى.
8-ظهور الطفل ألتوحدي بمظهر يختلف عن الأطفال الآخرين ، مع سرعة الانفعال عندما يتدخل شخص ما في شؤونه، ويثور فجأة ، خاصة عند الأطفال التوحيديين الذين لا تتجاوز أعمارهم الخمس سنوات.
9-الاستجابة بشكل غير طبيعي لبعض المثيرات من قبل الطفل ألتوحدي، وكأنه مصاب بالصمم، في حين قد يستجيب لبعض الأصوات بشكل مبالغ فيه.
الاعتبارات والضوابط التي يتوجب على المقيم مراعاتها بتشخيص وقياس التوحد هي:
1- يكون التشخيص من خلال فريق تشخيص متعدد التخصصات ويمكن أن يشتمل الفريق على الأخصائي النفسي ، أخصائي الأعصاب ، طبيب الأطفال ، أخصائي العلاج الطبيعي ، أخصائي العلاج المهني ، أخصائي التواصل ، وطب نفس الأطفال و معلم التربية الخاصة وغيرهم ويعتبر قياس مجالات مثل المجال النفسي والتواصلي والسلوكي من أكثر المجالات التي تركز عليها إجراءات قياس الطفل التو حدي .
2-أن تشتمل إجراءات التشخيص والقياس للأطفال التو حديين على مجالات نمائية ووظيفية متعددة وذلك راجع إلى طبيعة الإعاقة لديهم ولهذا فان الوضع يتطلب قياس قدراتهم الحالية مثل المهارات الإدراكية والتواصلية والأداء السلوكي مثل الاستجابة للتعليمات تشتت الانتباه والسلوكيات المزعجة والتكيف الوظيفي مثل مهارات السلوك ألتكيفي في المواقف الحياتية اليومية .
3-أن يتم تبني النموذج ألنمائي في إجراءات القياس خاصة وان أغلبية الأطفال التو حديين لديهم تخلف عقلي ومن الضروري أن تفسر الدرجات التي يحصلون عليها في المقاييس المختلفة ومستوى الأداء في المجالات المتعددة في ضوء مستواهم النمائي والإدراكي وذلك للحصول على تفسير وظيفي واقعي.
4-أن يراعى الاختلاف بين المواقف أثناء إجراءات التشخيص والقياس حيث طبيعة موقف معين ومتطلباته والمثيرات المحيطة به ودرجة تنظيمه ومدى الألفة له من قبل الأطفال التو حديين والأشخاص المتواجدين في ذلك الموقف يختلف عن مواقف أخرى قد يلاحظ فيها الأطفال ويتم تقييمهم كما أن سلوك الطفل يختلف من موقف إلى آخر تبعا لاختلاف المتغيرات أنفة الذكر .
5-ضرورة مراعاة التكيف الوظيفي وذلك لان فهم وتفسير نتائج القياس للمهارات المختلفة يتطلب ربطها بطبيعة ومضمون تكيف الطفل مع متطلبات المواقف الحياتية اليومية الحقيقية ولهذا فانه يتوجب على المقيم أو الملاحظ أن يتأكد من أن القياس شامل ومتعمق للسلوك التكيفي للطفل ومدى مقدرته على ترجمة الإمكانات والقدرات لديه إلى سلوك ثابت ومناسب لتنمية الكفاية الذاتية لدية في المواقف الطبيعية كما يتوجب على الملاحظ كذلك مراعاة مدى تأثير نتائج التشخيص والقياس على تكيف الطفل المستمر وتعليمه والإفادة من ذلك في الرابط بين نتائج القياس وتصميم برنامج التدخل الملائم له.
6-أن يتم استخدام أفضل وسائل التشخيص والقياس للأداء الوظيفي للطفل التو حدي بناء على المعرفة العلمية والخبرة والحكم الإكلينيكي للمهني المختص.
7-أن تشترك أسرة الطفل التو حدي في إجراءات تشخيص وتقييم طفلها وان يتم دعمها لملاحظة الطفل وتقييمه جنبا إلى جنب مع المختصين ليتم بناء برنامج تربوي متكامل .
8-ويتوجب على المهنيين تفسير نتائج الاختبارات والمقاييس لأسرة الطفل وتخصيص وقت خاص وكاف لمناقشة تلك النتائج والاستماع إلى همومهم والصعوبات التي يواجهونها مع طفلهم في بعض المواقف وبرامج التدخل المتوفرة للطفل ويفضل أن يحضر هذه المرحلة من التشخيص والقياس احد المهنيين المختصين في برامج التدخل المبكر الملائمة للطفل لمناقشة النتائج والتوصيات العلمية وكيفية تفعيل تلك التوصيات إلى واقع ملموس لخدمة الطفل وأسرته وإشعار الأسرة بان خدمة طفلهم لا تتوقف عند حد تشخيصه بأنه توحدي .
9-اشتمال التقرير النهائي للتقييم على النتائج التي توصل إليها كل عضو من أعضاء فريق التشخيص والقياس المتعدد التخصصات بتفاصيلها وان يصاغ التقرير بأسلوب يسهل فهمه وتوصيات يمكن تطبيقها وتفعيلها ومرتبطة بتكيفه مع متطلبات الحياة اليومية وتعلمه ويفضل أن يكون التواصل مستمر بين أعضاء الفريق أثناء عملية التشخيص والقياس وقبل التوصل إلى النتائج النهائية لتلافي عدم تنسيق الجهود أو تكرارها كما انه من الضروري دمج النتائج في التقرير النهائي ومناقشتها في ضوء ما يترتب عليها من إجراءات وظيفية لكل مجال من مجالات التشخيص والقياس ولإعطاء الأسرة والعاملين مع الطفل صورة متكاملة عن جوانب القوة والضعف لديه .