بسم الله الرحمن الرحيم
" وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) "
تفسير الآيــات
•••••••••••••
[ والعصر إن الإنسان لفي خسر ] أي أقسم بالدهر والزمان
لما فيه من أصناف الغرائب والعجائب ، والعبر والعظات
على أن الإنسان في خسران ، لأنه يفضل العاجلة على الآجلة
وتغلب عليه الأهواء والشهوات ، قال ابن عباس : العصر هو الدهر
أقسم تعالى به لاشتماله على أصناف العجائب
وقال قتادة : العصر هو آخر ساعات النهار ، أقسم به كما
أقسم بالضحى لما فيهما من دلائل القدرة الباهرة والعظة البالغة
وإنما أقسم تعالى بالزمان ، لأنه رأس عمر الإنسان ، فكل لحظة
تمضي فإنها من عمرك ونقص من أجلك
قال القرطبي : أقسم الله عز وجل بالعصر - وهو الدهر - لما فيه من التنبيه بتصرف الأحوال وتبدلها ، وما فيها من الدلالة على الصانع ، وقيل : إنه اقسم بصلاة العصر لأنها أفضل الصلوات
[ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ] أي جمعوا بين الإيمان
وصالح الأعمال ، فهؤلاء هم الفائزون ، لأنهم باعوا شهوات الحياة
بنعيم الجنة ، واستبدلوا الباقيات الصالحات ، بالشهوات العاجلات
[ وتواصوا بالحق ] أي أوصى بعضهم بعضا بالحق ، وهو الخير كله
من الإيمان ، والتصديق ، وعبادة الرحمن
[ وتواصوا بالصبر ] أي وتواصوا بالصبر على الشدائد والمصائب
وعلى فعل الطاعات ، وترك المحرمات وحكم تعالى
بالخسار على جميع الناس إلا من أتى بهذه الأشياء الأربعة وهي:
(الإيمان ، والعمل الصالح ، والتواصي بالحق ، والتواصي بالصبر)
فإن نجاة الإنسان لا تكون ، إلا إذا كمل الإنسان نفسه بالإيمان
والعمل الصالح وكمل غيره بالنصح والإرشاد ، فيكون قد جمع
بين حق الله ، وحق العباد ، وهذا هو السر في تخصيص
هذه الأمور الأربعة بالذكر ، في هذه السورة القصيرة...
وقد جاءت في غاية الإيجاز والبيان ، لتوضيح سبب سعادة
الإنسان أو شقاوته ، ونجاحه في هذه الحياة أو خسرانه ودماره
ولهذا قال الإمام الشافعي رحمه الله :
لو لم ينزل الله سوى هذه السورة لكفت الناس...