المحور الثاني : طبيعة السلطة السياسية
إشكال المحور : هل يمكن حسر السلطة السياسية في أجهزة الدولة أم أن السلطة قدرة مشتتة في كل المجتمع ؟ هل هي متعالية عن المجال الذي تمارس فيه أم هي محايثة له؟
· أطروحة لوي ألتوسير :
يميز" لوي ألتوسير" بين نوعين من أجهزة الدولة أولا : الجهاز القمعي وثانيا الأجهزة الإيديولوجية للدولة، وكل واحد منهما منفصل عن الأخر، فالجهاز القمعي يتشكل كما هو الحال عند النظرية الماركسية من الحكومة، الإدارة، الجيش، الشرطة، الحاكم، السجن.... ويسمى هذا الجهاز بالجهاز القمعي لأنه يشتغل بالعنف والقمع كأداة من أجل الهيمنة والسيطرة وفرض الأمن والإستقرار وحماية المصالح العليا للبلاد . ويشير" لوي ألتوسير" إلى أن العتف لا يكون فيزيائيا ( ماديا) دائما وإنما قد يكون رمزيا. كما تتكون الدولة وتمارس سلطتها بالإضافة إلى الجهاز القمعي من خلال الأجهزة الإيديولوجية والتي تتخذ شكل مؤسسات متميزة ومتخصصة، ويقترح" ألتوسير" لائحة معينة من الأجهزة ( الجهاز الديني، الجهاز العائلي والمدرسي، القانوني، السياسي، النقابي والإعلامي....) وإذا كان الجهاز القمعي لايختلط بالأجهزة الإيديولوجية فما الفرق بينهما؟ يجيب" ألتوسير" عن هذا السؤال مؤكدا أن الجهاز القمعي للدولة واحد بينما تتميز الأجهزة الإيديولوجية بالتعدد، هذا من جهة ومن جهة ثانية فأن الجهاز القمعي للدولة جهاز موحد وينتمي كله إلى المجال العمومي، بينما الأجهزة الإيديولوجية على العكس من ذلك فهي تنتمي إالى المجال الخاص: الكنائس خاصة وكذا الأحزاب وبعض المدارس....
نخلص إلى أن" ألتوسير" يقسم أجهزة الدولة إلى قسمين أحدهما قمعي وعنيف ( الجهاز القمعي) والثاني يتمثل في الأحهزة الإيديولوجية.
· أطروحة ميشيل فوكو ( 1926-1984)
في مقابل التصور التقليدي الذي سجن السلطة في مجموعة من الأجهزة والمؤسسات التي تمكن من إخضاع المواطنين داخل دولة معينة، أو أنها الإخضاع الذي قد يتخذ في مقابل العنف صورة قانون، أو أنها نظاما من الهيمنة يمارسه عنصر على أخر أو جماعة على أخرى بحيث يسري مفعوله بالتدريج في الجسم الإجتماعي بكامله. قدم" ميشيل فوكو" تصورا أصيلا للسلطة فهي ليست متعالية عن المجال الذي تمارس فيه بل هي محايثة له، كما أنها منتشرة في كل مكان فالسلطة هي عبارة عن علاقة شبكية لا تصدر أو تتمركز في نقطة معينة بل تتواجد وتتزامن بين قوى وأمكنة لا حصر لها. فهي استراتيجية تعود إلى تدابير وحيل ووسائل وتقنيات وأجهزة تخلقها وتدعمها وتديرها الطبقة السائدة، حيث أن السلطة هي محصول مجموع مواقعها الإستراتيجية " السلطة حاضرة في كل مكان ولكن ليس لأنها تتمتع بقدرة جبارة على ضم كل شيء تحت وحدتها التي لاتقهر، وإنما لأتها تتولد كل لحظة عتد كل نقطة أو بالأحرى في علاقة نقطة بالأخرى".
خلاصة :
يمكن تعريف السلطة كمجموع الممارسات والإجراءات التي تجري على عدة مسارات ومناح في المجتمع وبالمشاركة الفعلية أو الرمزية لعدة مؤسسات وأطراف قصد الهيمنة والإخضاع وذلك بتوظيف تدابير وتقتيات وأدوات مؤسساتية وإدارية وإيديولوجية فهي مفعول الإستراتيجية المتعددة المواقع التي تمارسها جماعات معينة والدولة على مختلف مستوبات الحياة السياسية والثقافية المعرفية والإنتاجية والرمزية والتواصلية وذلك إنطلاقا من تصورات ومرجعيات محددة ووسائل وأجهزة فاعلة بهدف إدماج المجتمع وتنظيمه واخضاعه بما يسمح بحماية مصالح السلطة والأطراف المالكة لها.