لنسميها .. مدينة السحــــر ..
مصر عتيقة ..
هي تلك البقعة من الارض التي تمتد من منطقة الزهراء وحتى فم الخليج .. بمعنى ان القادم من حلوان ومتجه الى وسط البلد يعدي منطقة المعادي وحدائقها محاذيا للنيل – البحر الاعظم – حتى تأتيه منطقة مصر القديمة وغيره وتبدا من دار السلام واثر النبي وهو الميناء النهري للبضائع القادمة من صعيد مصر مثل البصل والقصب والبقوليات والبلاليص والقلل القناوي والملوحة الصعيدي طبعا.. ويدخل الى ان يأتيه منطقة تسمى حوض الفجل .. وبعده مناطق القبوة وساعي البحر والشراقوه والخوخة والفرنساوي والملك الصالح وسيدي حسن الانور والجيارة والسادات والسكر والليمون ونهايتها فم الخليج حيث مستشفى الاورام وعين الصيرة .. هذا من جهة الشرق اما من جهة الغرب فتقع جزيرة الذهب وسط مياه البحر الاعظم يقابلها مقياس النيل في الطرف الجنوبي من جزيرة الروضة ثم منطقة الروضة والمنيل ..
وتعتبر الروضة والمنيل من الاحياء الراقية بالنسبة لسكان مصر القديمة .. فيوجد في تلك المنطقة عدد من السينمات مثل سينما ميراندا وكنا سابقا نقول عليها الكلية .. فأحيانا يحدث نسبة غياب كبيرة في المدارس التي تحيط بها ولا يجد مدير المدرسة حلا لهذا الامر الا بالذهاب الى الكلية – السينما – وسحب التلاميذ منها وايضا سينما جرين وسينما الروضة ومشهورة بحادثة السادات يوم قيام الثورة وسينما الجزيرة وايضا والكازينوهات والمراكب السياحية .. والعمارات الشاهقة على النيل من جهة شارع عبد العزيز آل سعود وكذلك احياء المماليك والغمراوي وكان يقطنها بعض من الطبقة المتوسطة من رجال ثورة مصر .. وبها المدرسة الاسقفية والحي الذي كان يسكن فيه الزعيم الراحل انور السادات واهل زوجته .. حتى عندما كنا صغارا كان نزهاتنا تتركز في منطقة المنيل والمعادي لمشاهدة الفتيات يقدن الدراجات ويأكلن الكلوكلو في فصل الصيف .. اما نحن سكان مصر القديمة فكانت متعتنا في شرب حمص الشام وقبلها نحبس بسندوتشات الطعمية من عند المدهش أو فولي جود .. نأكل ونحن نسير على الاقدام حتى نصل الى كوبري عباس وهو الذي يربط منطقة المنيل والروضة بمحافظة الجيزة .. وتقع في نهايته من جهة الجيزة سينما شهرزاد واخر فيلم شاهدته فيها هو الاب الروحي – الجزء الثاني .. وهي الان خرابة .. نتمشى الهنيهة بشارع عبد العزيز آل سعود حتى نصل الى منتصفه تقريبا وهناك كان من يبيع – ولا يزال - حمص الشام وكان الكوب بـ 2 صاغ وهذا مبلغ كبير خاصة واننا كنا نشتريه في مصر عتيقة بـ 5 مليمات .. واذا لم نرغب في الحمص كنا نشرب كوبين مياه حمص فقط ومعاهم شوية رزالة على غتاتة بنفس الـ 5 مليمات.. واحيانا نشتري التين الشوكي الـحبتين بـ 5 تعريفه .. ولا اكثر من ذلك فالميزانية في ذاك الزمان لا تسمح حتى بركوب الاوتوبيس درجة اولى .. حتى بعض فتيات مصر عتيقة ممن يردن جو – بوي فريند بالمعنى الظريف له وليس المعنى الغربي – ابن ناس كان يذهبن الى المنيل .. وهي وحظها .. اما نحن فكان ذلك من المستحيلات السبع .. يعني ممكن نعلق من السيدة زينب .. من المنيرة .. من الجيارة .. من دار السلام .. الزهراء .. لكن المنيل والروضة .. بعيد عن شنبك – اذا كان هناك شنب.
احياء مصر عتيقة تمتاز بشئ اسمه بحري وقبلي .. اتذكر ان شقتنا كان بها حجرة بحري وبها بلكونة وحجرة قبلية وبها شباك .. والشقة كلها غرفتين وصالة ومنور وطبعا مطبخ وحمام .. وكانت تسعنا جميعا نحن السبعة .. اليوم الحال غير الحال ..
ترتبط مصر القديمة بجزيرة الروضة بكوبريين واعتقد اكثر من ذلك اشهرهم كوبري الملك الصالح وكوبري سيالة المنيل وكوبري المانسترلي وكوبري القصر العيني وكوبري الميريديان ..
تكثر بمنطقة مصر القديمة وخاصة احياء مصر عتيقة الحدائق فالكورنيش من امام مستشفى النبوي المهندس ومستشفى هرمل حتى نهاية المعادي يزدان بالحدائق .. والتنظيم الجيد للشوارع .. هذا لا يمنع من وجود بعض العشوائيات في احياء كالعشش واسطبل عنتر وابو السعود .. ولكنها مقارنة مع عشوائيات هذه الايام لا تحسب .
حي الجيارة ومعه ابو السعود من اشد مناطق مصر عتيقة ازدحاما حيث به نسبة كبيرة من العمال والمعلمين خاصة في مجال الدهانات والبلاط والرخام والجلود .. وطبعا الجزارين والدباحين .. والمخدرات.
بحي مصر عتيقة اشهر جامع واشهر كنيسة .. جامع عمرو بن العاص .. اقدم جوامع القاهرة .. وكنيسة ماري جرجس .. والكنائس المعلقة ومنطقة الديور .. وبعض مساكن اليهود ..
كان اليهود يسكنون في بيوت تطل على النهر مباشرة في المنطقة التي تمتد من كوبري الملك الصالح وحتى بداية المعادي .. ولاسباب لا داعي لذكرها هدمت وانشئ مكانها حدائق عامة ..
حي الفرنساوي به مدفن سليمان باشا الفرنساوي - قبره - ويقال ان المدفن الاخر لحصانه .. وهناك من يقول لزوجته .. وبه ايضا مصانع البدري للآثاث وقريبا منه سيد وابراهيم الطرشجيه ومخبز الغرباوي .. وشارع محمد الصغير وحارة محمد الصغير – القرع – والمزلقان الكبير والمزلقان الصغير.
من اهم معالم مصر عتيقة سوق الخيش وحوض الفجل وحلقة السمك ومخازن وفيلا راشد وابو كمال الكبابجي .. والله خايف يامرزوق اقول الكلابجي – وساعي البحر – والصدار والطيبي ومطابع محرم وفتوح اللبان واجزاخانة الشمس ومدرسة عمرو بن العاص الاعدادية والفسطاط الثانوية ومصر القديمة الثانوية بنات .. وهي من ارقى مدارس البنات في مصر ومااجمله منظر حينما تأتي الفتيات في عمر الشباب ما بين الـ 15 والـ 18 سنة من احياء السادات والروضة والمنيل الى مدرستهن في لباسهن المكون من قميص ابيض وكرافت وجيب ازرق وحذاء اسود وشراب ابيض .. وكان الجميع يسير على ارجله .. هذا قبل عام 1975م. يعني ايام الهكسوس .. شباب .. نضارة .. حيوية .. فتوة .. كان يوجد بعض المعاكسات ولكنها بسيطة لا تتعدي كلمات الغزل .. وخاصة من تلاميذ الفسطاط الثانوية وشبابها من نفس النوعية ومناطق السكن – مصر عتيقة.
يخترق مترو حلوان مصر القديمة فيقسمها نصفين .. نصف معقول ونصف اقل من المعقول .. كعادة أي شئ يخترق ويتحول الى شمال وجنوب وشرق وغرب ..
ترتبط مصر عتيقة بجزيرة الروضة ايضا بمعدية – مركب – مازالت موجودة حتى الان .. وهناك كوبري خشبي جميل مزخرف بالحديد يربط منطقة ساعي البحر أو الخوخة بمحطة مياه مصر القديمة وهو من معالم فيلم اللمبي الجزء الاول ..
هنا النشأة والترعرع والايام الجميلة .. والذكريات الحلوه حلوه والمره حلوه .. هنا غنينا مع عبد الحليم حافظ اغنية فاتت جمبنا ونجاة ساكن اصادي ووردة ياترى هم الليلة دي عند مين وام كلثوم شمس الاصيل ذهبت وعبد الوهاب وشادية وفايزة ..
هنا كان حبنا الاول .. حب الطفولة البريئة .. هنا رأينا الدنيا وكانت احلامنا وردية .. وهنا انقلب كل شئ .. واستيقظنا على احلام اشبه بالكوابيس ..
هي النشأة في هذا الحي الساحر .. بالقرب من النهر .. وعطاء النهر وخيره .. وعنفوانه وشره .. هنا كانت ايام الصبا والشباب .. هنا كان الحب الاولي .. هنا كان الانكسار في 1967م. هنا .. تكونت الصداقات بين ابناء هذا الحي الفقير .. واعني شارع الفرنساوي .. نعم كان به بعض التجار .. ولكن الصفة العامة كانت الفقر .. الا من بعض العائلات المبسوطة .. عائلات التجار .. ومنهم عائلة البليدي .. حيث كان رب الاسرة الاكبر لديه سيارة فورد امريكي .. وكان اول من ادخل التلفزيون الى بيته .. وكان يحج كل عام الى مكة المكرمة .. وكان رجلا ضخم الجثة كأغلب تجار هذه الايام .. كان ابن بلد ..
جمال البليدي حفيد له .. ابيض الوجه مستديره .. يشبه كثيرا المطرب هاني شاكر .. وكان يعرف ذلك .. وذلك له فوائده مع الفتيات وله مشاكله ايضا معهن .. كان البليدي جمال في نفس عمري .. وكنا سويا في مدرسة واحدة وصف دراسي واحد .. اختلفت بنا الايام .. في المرحلة الثانوية .. انا شرفت في الثانوية التجارية وهو الثانوي العام الخاص .. فقد كان ابوه قادرا على مصاريف تلك المدارس .. رغم ان مجموعه في الاعدادية كان اقل من مجموعي ..
والحق انه كان تاجرا شاطرا .. من اوائل من نظموا رحلات نيلية الى منطقة القناطر الخيرية .. كانت التذكرة للفرد بـ 15 خمسة عشرقرشا .. نأخذ المركب ابو دورين من امام مبني الاذاعة والتلفزيون بماسبيرو حتى القناطر .. شباب وفتيات وعائلات .. كلنا نعرف بعضنا البعض .. نأخذ معنا مأكولاتنا وشربنا .. ولم يكن ذلك كثيرا .. اكلنا فول أو طعمية وشربنا هي المياه ولا اكثر .. فالـ 15 قرش مبلغ ضخم ليس من السهل توفيره .. تأخذ الرحلة حوالي 3 ساعات .. بين ضفتي النيل .. نغني ونمرح ونرقص .. كلنا .. وتقوم علاقات وتنهد علاقات .. واتذكر اني سرحت مع حبي الاول .. وكانت في مثل سني .. كانت معنا هي واختها .. كنت في الثالث الثانوية وكانت هي كذلك .. طوال الرحلة لم احاول الاقتراب منها .. والا .. هناك 150 عين تراقبنا .. ولم يك احد يعلم بهذه العلاقة بيني وبينها .. فقد كانت محط انظار الجميع .. حب عذري كعادتي .. استاذ في كتابة الجوابات ولا اكثر .. وعند العودة نظرت من الدور الثاني الى النهر .. وكانت بجواري وفجأة سقطت النظارة الطبية الى النهر .. وبالسلامة طبعا .. واكملت باقي الرحلة اعمى .. فأنا لا ارى بدون النظارة .. وعدت الى البيت مصدع .. عيان .. بردان بسبب النظارة والتي استغرق عمل واحدة جديده حوالي اسبوع ..