تقديم
يشكل الهدر المدرسي بالوسط القروي، و المتمثل أساسا في عدم التحاق الأطفال بالمدرسة، وانقطاعهم عنها لعدم التمكن من ولوج مستويات أعلى، آفة تؤرق بال المسؤولين عن تدبير قطاع التربية و التكوين ببلادنا، فرغم اعتمادات الدولة في هذا الميدان إلى ما يفوق 20% من الميزانية العامة السنوية، ورغم ما أعطي للتعليم من أهمية، باعتباره أولوية تأتي مباشرة بعد استكمال الوحدة الوطنية، فإنها تبقى عاجزة عن تحقيق الأهداف المسطرة.
لقد شكل تعميم التعليم أو التعليم للجميع أو إلزامية التعليم أحد الأهداف التي أولتها البلاد أهمية قصوى منذ الإستقلال إلى الآن، فوضعت لها مخططات خماسية، ونظمت منتديات للإصلاح، تحت شعارات : الجودة والقرب و الجهوية، بل شكل التعميم، الدعامة الأولى في ميثاقنا الوطني للتربية و التكوين، إلا أنه ورغم كل هذه الشعارات فإن الهدر المدرسي الذي تزيد نسبته بالوسط القروي، يحول دون بلوغ الحاجيات المتزايدة لنظامنا التربوي في الآجال المناسبة.
حجم الإشكالية
لا تزال الأمية المرتفعة بالمغرب تقف عائقا عنيدا أمام انعتاقه من التخلف وتحقيقه للتنمية. فحسب الإحصاء السكاني الأخير عام 2004 يوجد نحو عشرة ملايين أمي فضلا عن أكثر من مليون طفل بين 9 سنوات و14 سنة خارج المدرسة.
وبالإضافة إلى هذه الكتلة الضخمة من الفتيان الأميين هناك 400 ألف طفل يتركون المدرسة سنويا بينما كان العدد في عامي 2004 و2005 حوالي 368 ألف طفل.
وتتصدر المدرسة الابتدائية قائمة المؤسسات التي يغادرها الأطفال دون أن يتمكنوا من فك ألغاز الكلمات أو كتابتها، ففي الموسم الدراسي 2005-2006 ترك مقاعد الدرس حوالي 216176 طفلا، ويمثل هذا العدد 6% من عدد الأطفال المسجلين خلال 2006، وذلك ما يشكل ضربة قوية لجهود الحكومة المغربية لتعميم التمدرس بالمرحلة الأولية والابتدائية.
ومقارنة مع دول المغرب العربي الأخرى يقف المغرب في مؤخرة الترتيب من حيث الحرص على إبقاء الأطفال في المؤسسات التعليمية، فنسبة المغادرة لدى الجزائر وتونس تتراوح بين 2 و3% في المستوى الخامس من الفترة الابتدائية.
أول ضحايا الهدر المدرسي بالمغرب هم الفتيات بنسبة 58.4% وأطفال البادية بنسبة 80%، و40% من الأطفال المغادرين يحترفون الآن مهنا مختلفة.
وحسب دراسة أنجزتها كتابة الدولة المكلفة بمحو الأمية بتعاون مع اليونيسيف حول "الانقطاع عن الدراسة بالمغرب"، أحصت فيها الأرباح التي كان من الممكن أن يجنيها المغرب لو لم تكن أمية أبنائه مرتفعة، ظهر أن كل سنة يقضيها الطفل بالمدرسة الابتدائية كفيلة بتحقيق 12.7% من رفع مستوى الدخل مقابل 10.4% بالمدرسة الثانوية.
ويزداد الربح بنقطة عند الفتيات إلى أن يصل مجموع الخسائر بالنسبة للمجتمع نصف نسبة الدخل السنوي لسنة 2004، أي ما يقارب 2.8 مليار درهم.
ومن خلال البحت الذي قامت به منظمة اليونسكو سنة 2004 تبين أن المغرب يتوفر على أكبر نسبة من الهدر المدرسي في العالم العربي. و هو يحتل في نفس الوقت المرتبة الثانية على مستوى المغرب العربي بعد موريتانيا. إن نسبة الهدر المدرسي مرتبطة بالناتج المحلي، و لهذا تونس و الجزائر اللتان تتميزان باقتصاد قوي بعائد إجمالي أكبر من 5000 أورو. هذان البلدان نسبة الهدر المدرسي فيهما هي 2-3% فيما يتعلق بالسنة الخامسة من التعليم الابتدائي. أما بالنسبة للمغرب و موريتانيا اللذان يتراوح عائدهما الإجمالي بين 3350 أورو إلى 1750 أورو،فــإن نسبة هدرهما المدرسي في السنة الخامسة من التعليم الابتدائي هو ما بين 6% و 22% . و رغم ذلك حقق المغرب نتائج مشجعة فيما يتعلق بنسبة التمدرس و المساواة بين الفتيات و الذكور على سبيل المثال قامت وزارة التربية الوطنية و التعليم العالي و تكوين الأطر و البحت العلمي بتعاون مع منظمة اليونيسيف ببحت حول البنات و الذكور لاحظت من خلاله تراجع نسبة الهدر المدرسي ب 12 نقطة بين 1997/98 و 2002/03 على المستوى الوطني. و سجلت 22 نقطة على مستوى الوسط القروي. برغم من هذا النجاح المسجل يبقى هناك عمل الكثير للتقليل من هذه الظاهرة. بناءا على إحصائيات وزارة التربية الوطنية المسجلة في نهاية 2004 على شريحة من التلاميذ بلغ عددها 1000 تلميذ مسجلين للمرة الأولى في السنة الأولى من التعليم الابتدائي، 620 و صلوا إلى السنة السادسة أما 380 منهم فقد غادروا مقاعد الدراسة قبل الوصول إلى هذا المستوى. إن الوسط القروي هو الأكثر تعرضا لظاهرة الهدر المدرسي أكثر من غيره، رغم أهميته في الطبقة الفقيرة في الوسط الحضري. أما بالنسبة للأحياء الشعبية حيت الوضع الاقتصادي ضعيف، تجد إشكالية الهدر متزايدة مقارنة مع الأحياء الأخرى :. من الملاحظ أيضا إن أكثر التلاميذ الذين يغادرون المدرسة هم أبناء أحياء الصفيح ، و من هنا يمكننا أن نضع السؤال التالي: ما هي أسباب الهدر المدرسي؟ في الحقيقة مشكل المغادرة المبكرة للمدرسة هو معقد جدا و المعقد أكثر هو تحديد الأسباب التي تؤدي إلى مغادرة التلاميذ لمدارسهم. يقول السيد الشداتي مستشار اليونيسيف : "عندما نلاحظ عامل يخص عدد كبير من التلاميذ الذين يغادرون الدراسة فهذا لا يعني وجود رابط السببية بين العامل و القيام بالمغادرة". إن البحث الذي قامت به اليونيسيف خلال سنة 2004، يعرف الأسباب الرئيسية للهذر المدرسي ، و قد قسم هذا البحت هذه الأسباب إلى أسباب مدرسية و أسباب غير مدرسية.
إن مشكل الهدر المدرسي هو مشكل بدون حدود يؤثر على المجتمعات و الجماعات في العالم بأسره. نتائجه ممكن أن تكون خطيرة و خطيرة جدا فهو يؤدي إلى انتشار الأمية، البطالة ،الجريمة في المجتمع و هدر الموارد المالية للدولة. إن الهدر المدرسي له تأثيرات مباشرة على القدرات الاقتصادية للمجتمع، مع وجود تاثير كبير على الناتج الداخلي للدولة. هذه الإشكالية تقتضي اهتماما خاصا، وذلك بفهم أسبابها ونتائجها الشيء الدي سيمكن فيما بعد من إيجاد حلول مناسبة لها. هدا العرض هو دراسة لإشكالية الهدر المدرسي اولا على مستوى المغرب العربي، و ثانيا على مستوى المغرب. الهدف من هذه الدراسة هو إبراز أبعاد هذا المشكل و أسبابه الرئيسية
ماذا نعني بالهذر المدرسي؟
مفهوم الهدر المدرسي
الهدر المدرسي من المصطلحات الفضفاضة التي يصعب تحديدها لاعتبارات عدة. أولاها تعدد المسميات لنفس المفهوم و اختلاف الكتابات التربوية في المنطلقات الذي يوصل إلى الاختلاف في فهم الظواهر، و بالتالي الاختلاف في توظيف المصطلح
مصطلح الهدر في الأصل ينتمي إلى قاموس رجال الأعمال و الاقتصاد إلا أنه دخل المجال التربوي من منطلق أن التربية أصبحت تعد من أهم نشاطات الاستثمار الاقتصادي.
التعليم ينظر إليه اليوم في كثير من الدول و البلدان المتقدمة كاستثمار له عائده المادي حيث أصبح للمؤسسات التعليمية دورها المؤثر في إنتاج الثروة المعرفية و التكنولوجية و الاقتصادية من خلال إعداد الموارد البشرية المؤهلة[/size][/color[/color]]